Jassy

أنا وهو … وفرويد

أغسطس 17th, 2008 by Jassy

 

عبثاً حاول التنبيش في ماضيي بحثاً عن سبب حيرتي

عبثاً سافر في السنين ، وعبثاً حاولت إقناع نفسي بأمراضي الروحية … الكبت والرضوح والجرح

لكنه لم يفطن، أن يرسل خزعات حاضري إلى مختبره ، لم يخطر بباله قط أن الأحزان تراكمت في حضوره

وقبل فوات لأوان .. أُنقذتُ … وأطلقت أشجاني لتتوحد بالمطر

واغتسلت

وأزلتُ ما علق على شعري من كلماته

فتحت باب الكبت على مصراعيه

لأنادي ….. إرحل … إرحل وخذ معك الكآبة

إلى الجحيم أيتها الأحزان .. فقد وُجدتُ للسعادة .. كما الطير وُجد للتحليق

 

 

كُتِبَت في 9 أكتوبر 2006

وراء وحدتي

أغسطس 17th, 2008 by Jassy

إن وراء وحدتي وحدة أبعد وأقصى
وما انفرادي للمعتزل فيها سوى ساحة تغص بالمزدحمين
وما سكوني للساكنين فيها سوى جلبة وضجيج
إنني حدثُ مضطرب هائم بعد ، فكيف أبلغ تلك الوحدة القاسية؟
إن ألحان ذلك الوادي تتموج في أذني،
وظلاله السوداء تحجب الطريق عن عيني.
فكيف أسير إلى تلك الوحدة العلوية؟
إن وراء هذه الأودية والتلال غابة حب وافتتان.
وما سكوني لمن فيها سوى عاصفة هوجاء صماء
وما افتتاني لعاشقيها سوى انخداع وغرور.
إنني حدثُ مضطرب هائم بعد ، فكيف أبلغ تلك الغابة القدسية؟
فإن طعم الدماء لايزال في فمي،
وقوس أبي ونشابه مابرحا في يدي،
فكيف أسير إلى تلك الوحدة العلوية؟
إن لي وراء هذه الذات السجينة ذاتاً حرة طليقة.
وما أحلامي في عقيدتها سوى حرب في ظلام ،
وما رغائبي تجاه رغائبها سوى قرقعة عظام.
إنني حدث مهان ذليل بعد،
فكيف أ:ون ذاتي الحرة الطليقة؟
أجل ، كيف أكون ذاتي الحرة الطليقة
قبل أن أثأر لنفسي فأذبح جميع ذواتي المستعبدة،
أو قبل أن يصير جميع الناس أحراراً طلقاء؟
إذ كيف تطير أوراقي مترنمة فوق الريح
قبل أن تذوي جذوري في ظلام الأرض؟
بل كيف يحلق نسر روحي طائراً أمام وجه الشمس
قبل أن تترك فراخي عشها الذي بنيته لها بعرق وجهي؟



جبران خليل جبران

خواطر في محب الريح

أغسطس 17th, 2008 by Jassy


-1-
ليست أوراقي كأوراق الخريف
ولا الريشة في النسيم
ولكنها أفكار تائهة في أعاصير إحساسي
إن أخذها الزمن إلى الضفة الأخرى
فآمل ألا يجدها أحد غيرك
لأنك .. توأم خاطري


-2-
لم تتبدل الأشياء ..
فبيتي .. هو بيتي
وأوراقي وكتبي أكستها الغبار
وأقلامي جفف الرحيل أحبارها
وكل ما تغير .. في هذه الوحشة المهجورة
هو وردة حبك على الأطلال .. تكبر وتترعرع ..
عبيرها …….. في مهب الريح


-3-
أناس أناس
يدخلون .. يخرجون .. يأكلون .. يتكلمون …
يمشون ويضحكون .. يتهافتون
يعيشون .. ولا يعيشون
فهل الريح لم تعصب إلا بعيني .. آخذة مني هناء نومي ؟!!


-4-
لا لم أكن كذلك ..
في يوم من الأيام
كل من خلته نصفي .. طار مع الأوهام
إلا بريق عينيك .. في هدأة الأحلام
سلبني طمأنينتي .. وأعطاني حريتي
وأرسلك .. إلى جوف قلبي … لأعوام


-5-
هل تصدقني ؟! .. يا ذا الجلال والفخار
أني مزّقت الماضي .. ودست عليه .. وأحدثت فيه الدمار
وأحرقت بقاياه .. ونثرت الرماد وودعت المرار
لأقلب صفحة جديدة .. بيضاء كلو نالفريضة
وأنذرت كل حرف أخطه فيها
(……………………..)



-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-



حُررت في سبتمبر 2005 ، بعد عودتي من أطول رحلة أقوم بها وحدي .. بعيداً عن البيت، قريباً من الوطن
بعد كل تلك الفترة، أمسك بهذه الاوراق وقد عادت من الهجرة الشتوية واستعدت لهجرة أخرى …
ضحكت … استخففت بتفكير الإنسان …… وتفكيري "كوني إنسان" …
طويتها … ومزقتها ……… وأرسلتها للريح
لكن هذه المرة … أجزاءً صغيرة …..

الخارطة والمنطقة والحقيقة .. وأشياء من هذا القبيل

أغسطس 17th, 2008 by Jassy

 

الخارطة ليست المنطقة

نفضت الغبار عن بعض أفكاري لأجد هذه الفكرة ما تزال تتمتع بلمعانها وبريقها رغم تراكم الآراء والناس من حولي.

لازلت أتسائل كيف للناس البت في موضوع ما وهم لم يروا إلا قشوره ؟

قال الله تعالى في كتابه العزيز :
وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً
[الإسراء 36] . وهذا يوجب استعمال الإنسان حواسه جميعاً للتحري عن الحقيقة.

الحقيقة الضائعة

الحقيقة ؟ هل هي نسبية لكل إنسان ؟ أم ثابتة ؟ أم مجرد مصطلح يدل به شيء لا أرضي ؟ ولا إنساني ؟

يقول ديل كارنيجي "إننا قلما نُعنى بالحقائق وإذا حدث أن حاول أحدنا استخلاص الحقائق فإنه يتصيد منها ما يفيد الفكرة الراسخة في ذهنه ولا يبالي بما ينقضها، أي أنه يسعى إلى الحقائق التي تسوّغ عمله، وتتسق مع أمانيه، وتتفق مع الحلول السطحية التي يرتجلها".

ويقول أندريه موروا "كل ما يتفق مع ميولنا ورغباتنا الخاصة يبدو معقولاً في أعيننا، أما ما يناقض رغباتنا بإنه يشعلنا غضباً"

إذا كانت الحقيقة هي (ما نريد سماعه فقط) فلماذا يقولون (الحقيقة مُرة) ؟

إذاً فالانسان لا يدرك تماماً ماهية الحقيقة، أو أنه يتناساها أغلب الأوقات. فما الذي يحل محل الحقيقة في عقل الإنسان ؟

قال محمد الغزالي "لا أعرف مظلوماً تواطأ الناس على هضمه، وزهدوا في إنصافه كالحقيقة !! . ما أقل عارفيها، وما أقل -في أولئك العارفين - من يقدّرها ويغالي بها ويعيش لها !! . إن الأوهام والظنون هي التي تمرح في جنبات الأرض، وتغدو وتروح بين الألوف المؤلفة من الناس. ولو ذهبت تبحث عن الحق في أغلب ما ترى وتسمع لأعياك طلابه".

من أين تأتينا هذه الأوهام و-الحقائق- الكاذبة ؟ ولماذا نسلم بها ونتبنى فكرة عن شخص آخر أو جهة معينة ؟

إن معظم ما يصلنا من معلومات - مرئية : كالتلفاز - سمعية : كالمذياع - بصرية : كالجرائد .. تشكل في عقل الإنسان العصري قوانين الحياة العصرية التي -غالباً- ما يسلم بها دون التحقق منها. ولهذا فقد باتت الطرق الإعلامية هي الأسهل للسيطرة على معتقد الشعوب والعامة، الذين بدورهم يتولون مهمة النقل فيما بعد، بل وتضخيم الأخبار والمبالغة بالأحداث ما يوافق تصورهم وتحليلاتهم وأذواقهم.

قال الله تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ
[الأنعام : 116]

وكذلك: وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلاَّ ظَنّاً إَنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلَيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [يونس : 36]

ما العمل ؟ أهي طبيعة بشرية إذاً ؟ طالما أن الله عز وجل ذكرها صراحةً في كتابه العزيز ؟ وهل ستبق الحقيقة متلبسة الأثواب الذوقية والمصلحية لكل إنسان على حد؟

طائفة من الناس كانوا يعلمون حقيقة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، لماذا إذاً زاغوا عنها ؟

وَلاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة : 42]

اتباع منهج الإسلام (الصحيح) يؤمن للإنسان إمساك الحقيقة من مخانقها، فقد ذكر الله تعالى في ختام العديد من الآيات تذييلاً لإرشاده إلى الحقيقة من مثل قوله:
كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
[البقرة : 219] ،
مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ [يونس : 3] كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ
[البقرة : 242]

بالإضافة لما يقدمه أندريه موروا من علاج : الفصل بين العاطفة والتفكير. واستخلاص الحقائق المجردة بطريقة محايدة.

الخارطة ليست المنطقة 2

هي القاعدة الأولى لعلم NLP . بينها ألفرد كورزبسكي بالشكل التالي "إن الخريطة هي إدراكك بينما المنطقة هي الحياة" . إن وجدت مدينة هراري الكاميرونية في الأطلس، وفرحت باكتشافك، وقرأت معلوماتها الجغرافية والسياسية والتاريخية، لا يعني أبداً أنك كنت هناك !! . ربما من زارها ولم يتقصد القراءة عنها يعرف أكثر. وهذان الشخصان بتكاملهما قد يشكلان تصور أكبر عن هراري. لكن اختلافهما في وجهات النظر قد تؤدي إلى صدام فكري، لأن تحليل العقل البشري للأشياء يختلف من إنسان لآخر.

كما نحن نختلف في شرح مناهج الإسلام ….. بكل أسف ….. لم نعد نعلم الحقيقة فيها من الابتداع

فلماذا لا تأخذ يدك بيدي، ونجمع الحقائق -المجردة- ونستخلص منها ما يوافق فطرتنا … وإن كان من صدام، فلنضيق حدوده، ونبقي إنسانيتنا أكبر من صدامنا.

فأنت أخي في الله …… وقضيتنا واحدة ……… وهي الإسلام

وأخيراً .. اللهم لا تجعلنا في عداد من قلت عنهم :

أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ [البقرة : 44]

 

 

كتبت في 28 سبتمبر 2006

الكآبة الخرساء

أغسطس 16th, 2008 by Jassy

 

     أنتم أيها الناس تذكرون فجر الشبيبة فرحين باسترجاع رسومه، متأسفين على انقضائه، أما أنا فأذكره مثلما يذكر الحر المعتوق جدران سجنه وثقل قيوده. أنتم تدعون تلك السنين التي تجيء بين الطفولة والشباب عهداً ذهبياً يهزأ بمتاعب الدهر وهواجسه ويطير مرفرفاً فوق رؤوس المشاعل والهموم مثلما تجتاز النحلة فوق المستنقعات الخبيثة، سائرة نحو البساتين المزهرة، أما أنا فلا أستطيع أن أدعو سني الصبا سوى عهد آلام خفية خرساء كانت تقطن قلبي وتثور كالعواصف في جوانبه، وتتكاثر نامية بنموه ولم تجد منفذاً تنصرف منه إلى عالم المعرفة حتى دخل إليه الحب وفتح أبوابه وأنار زواياه، فالحب قد عتق لساني فتكلمت ومزق أجفاني فبكيت وفتح حنجرتي فتنهدت وشكوت. أنتم أيها الناس تذكرون الحقول والبساتين والساحات وجوانب الشوارع التي رأت ألعابكم وسمعت همس طهركم، وأنا أيضاً أذكر تلك البقية الجميلة من شمال لبنان، فما أغمضت عينيّ عن هذا المحيط إلا ورأيت تلك الأودية المملوءة سحراً وهيبة، وتلك الجبال المتعالية بالمجد والعظمة نحو العلاء، ولا صممت أذني عن ضجة هذا الاجتماع إلا وسمعت خرير تلك السواقي وحفيف تلك الغصون, ولكن هذه المحاسن التي أذكرها الآن وأشوق إليها شوق الرضيع إلى ذراعي أمه هي التي كانت تعذب روحي المسجونة في ظلمة الحداثة مثلما يتعذب البازي بين قضبان قفصه عندما يرى أسراب البزاة تسبح حرة في الخلاء الوسيع ــ وهي التي كانت تملأ صدري بأوجاع التأمل ومرارة التفكير، وتنسج بأصابع الحيرة والالتباس نقاباً من اليأس والقنوط حول قلبي ــ فلم أذهب إلى البرية إلا وعدت منها كئيباً جاهلاً أسباب الكآبة. ولا نظرت مساء إلى الغيوم المتلونة بأشعة الشمس إلا وشعرت بانقباض متلف ينمو لجهلي معاني الانقباض، ولا سمعت تغريدة الشحرور أو أغنية الغدير إلا وقفت حزيناً لجهلي موجبات الحزن.

     يقولون إن الغباوة مهد الخلود والخلود مرقد الراحة ــ وقد يكون ذلك صحيحاً عند الذين يولدون أمواتاً ويعيشون كالأجساد الهامدة الباردة فوق التراب، ولكن إذا كانت الغباوة العمياء قاطنة في جوار العواطف المستيقظة تكون الغباوة أقصى من الهاوية وأمر من الموت. والصبي الحساس الذي يشعر كثيراً ويعرف قليلاً هو أتعس المخلوقات أمام وجه الشمس لأن نفسه تظل واقفة بين قوتين هائلتين متباينتين: قوة خفية تحلق به السحاب وتريه محاسن الكائنات من وراء ضباب الأحلام، وقوة ظاهرة تقيده بالأرض وتغمر بصيرته بالغبار وتتركه ضائعاً خائفاً في ظلمة حالكة.

     للكآبة آياد حريرية الملامس، قوية الأعصاب تقبض على القلوب وتؤلمها بالوحدة. فالوحدة حليفة الكآبة كما أنها أليفة كل حركة روحية. ونفس الصبي المنتصبة أمام عوامل الوحدة وتأثيرات الكآبة شبيهة بالزنبقة البيضاء عند خروجها من الكمام ترتعش أمام النسيم، وتفتح قلبها لأشعة الفجر وتضم أوراقها بمرور خيالات المساء، فأن لم يكن للصبي من الملاهي ما يشغل فكرته، ومن الرفاق من يشاركه في الأميال، كانت الحياة أمامه كحبس ضيق لا يرى في جوانبه غير أنوال العناكب ولا يسمع من زواياه سوى دبيب الحشرات.

     أما تلك الكآبة التي اتبعت أيام حداثتي فلم تكن ناتجة عن حاجتي إلى الملاهي لأنها كانت متوفرة لدي، ولا عن افتقاري إلى الرفاق لأنني كنت أجدهم أينما ذهبت، بل هي من أعراض علة طبيعية في النفس كانت تحبب إليّ الوحدة والانفراد وتميت في روحي الأميال إلى الملاهي والألعاب، وتخلع عن كتفيّ أجنحة الصبا وتجعلني أمام الوجود كحوض مياه بين الجبال يعكس بهدوئه المحزن رسوم الأشباح وألوان الغيوم وخطوط الأغصان ولكنه لا يجد ممراً يسير فيه جدولاً مترنماً إلى البحر.

     هكذا كانت حياتي .. فتلك السنة هي من ماضيّ بمقام القمة من الجبل، لأنها أوقفتني متأملاً تجاه هذا العالم، وأرتني سبل البشر، ومروج أميالهم، وعقبات متاعبهم وكهوف شرائعهم وتقاليدهم.

     في تلك السنة ولدت ثانية والمرء إن لم تحبل به الكآبة ويتمحض به اليأس، وتضعه المحبة في مهد الأحلام، تظل حياته كصفحة خالية بيضاء في كتاب الكيان.

 

 

جبران خليل جبران

« Previous Entries Next Entries »